محاجر جماعين...ومصدر رزق ضريبته الصحة ...وربما الحياة
تجبر الحاجة أم عزمي كل فجر على النهوض من نومها مع استيقاظ جيرانها القدماء الجدد المكونين من أربعة محاجر تحيط منزلها الذي أمسى شبيها بقلعة بويار الفرنسية المحاطة بالمياه.
وما هذه الحاجة سوى مثالاً على عشرات العائلات في بلدة جماعين جنوب شرق نابلس والذين يعانون صباح مساء من وباء الكسارات والمحاجر التي أصبحت جزءاً من واقع أليم يتمنون زوالها مع إشراقه شمس الصباح اليوم التالي.
عناء يومي وغياب للقانون
" نحن نعيش في وضع مأساوي " بهذه الجملة استهلت أم عزمي كلامها متأملة من شرفة منزلها حديقتها التي أصبحت بيضاء بفعل الغبار، تقول
نجبر كل يوم مع آذان الفجر على النهوض بسبب الأصوات المزعجة والغبار المنبعث من الجرافات والكسارات، حتى قيلولة الظهر نمنع منها ... ونبقى على هذه الحال حتى الساعة الثامنة أو التاسعة مساءاً.)
وتحمل أم عزمي المحاجر المحيطة بمنزلها بالتسبب في تشقق بيتها القديم المجاور لهذا المنزل ، ليتحول إلى جزء من محجر بعد اضطرار الحاجة بيع قطعة الأرض لبناء بيت آخر.
وتشتكي حفيدة أم عزمي من الغبار الناتج عن الكسارات وتقول: كل يوم ننظف البيت مرتين أو ثلاث لئلا يتراكم الغبار على الجدران والأرضية.
وحول قانونية وجود المحاجر قرب المناطق السكنية تعلق أم عزمي قائلة " القانون يمنع إقامة أي مصلحة كهذه بجوار البيوت أو ما تسميه البلدية المخطط الهيكلي، لكن للأسف وزارة الصحة لم تتدخل والبلدية لا تملك (قوة تنفيذية) تمنع إقامتها."
وتضيف أن جماعين تابعة لسلطات الاحتلال ما يحول دون دخول أي قوة فلسطينية تردع أصحاب مصالح الحجر.
ويؤكد عزت زيتاوي "رئيس بلدية جماعين" كلام أم عزمي، ويعزو عجز البلدية عن اتخاذ أي قرار ضد المحاجر الى الوضع القانوني السيئ.
يقول زيتاوي
حاولنا التخفيف من إقامتها وانتشارها بالقرب من المناطق السكنية، ونجحنا في إبرام عقد مع أصحاب بعض المحاجر ينص على إعطائهم الكهرباء الصناعية مدة ثلاثة أعوام يقومون بعدها بإغلاق مصالحهم.)
إحصاءات طبية مخيفة
أما الأمراض التي يعاني منها السكان هناك، يؤكد الطبيب "جبر جميل" العامل في مختبر جماعين الطبي أن الغبار مسبب خطير للأمراض خاصة الذرات متوسطة الحجم والتي يصعب على الرئة تحليلها، ما تسبب أمراض في الرأس والعين والرئة.
كما يجزم أن الضجيج الناتج عن الآلات الحديدية والكسارات يسبب الإصابة بمرض السكري.
ويؤكد الصيدلاني في جماعين عبد الحميد كيلاني أن نسبة أمراض الربو ازدادت في البلدة خلال السبع سنوات الماضية بنسبة 600% .
ويقول كيلاني: ( 45 % من سكان جماعين يعانون الآن أمراض الربو والقصبات الهوائية، وأملك فواتير تثبت هذه النسبة، وقد أطلعت البلدية عليها.)
ويضيف أن هذه النتيجة دفعت المئات من سكان البلدة على شراء أدوية ذات تركيز أعلى من السابقة التي لم تعد تجدي في شفائهم من أمراض الربو، ما سبب في إصابة العديد منهم بمضاعفات في الفم والمعدة.
وفي سياق ذات صلة وحول موضوع الـتأمينات الصحية للعاملين في المحاجر والكسارات يقول أحمد حسن أنه كان ضحية لإصابة عمل أفقدته الوقوف على قدميه حيث أصيب بشلل دائم نتيجة وقوع "بوكت الجرافة" على ظهره، ولم يستطع علاجها لعدم توفر تأمين صحي.
ويعمل أحمد حالياً في بقاله لبيع المواد التموينية، حيث ينهي كلامه بعبارة مليئة بالإحباط( من يصاب إله الله.)
ولأصحاب المحاجر رأي
" صافي حيدر" صاحب أحد المحاجر الواقعة في قلب المناطق السكنية يقول أنه لا يوجد محجر في جماعين يوفر لعامليه تأمين صحي وأنا واحد منهم، ويضيف
ولا أي عامل يجبر على العمل في المحاجر أو الكسارات، وهو يعلم بمخاطر هذه المهنة.)
ويؤكد حيدر أن توجه العاملين إلى المحاجر سببه غياب الوظائف الأخرى الآمنة .... ولقمة العيش بحاجة إلى مغامرة.
فيما يتعلق بالتلوث الناتج عن الغبار و الضجيج يقول محمود شحادة(صاحب محجر) إن السبب الرئيسي للغبار هي الطرق غير المعبدة في جماعين , أما غبار المحاجر فهو أمر واقع لا بد منه , فلا نستطيع منع جرافة أو آلة القص على سبيل المثال من إصدار ضجيج أو غبار.
و يضيف شحادة ( لقد قمنا في محجرنا بتوزيع الكمامات على العاملين لكنهم لم يستطيعوا العمل بوجودها على أفواههم مما دفعهم لإزالتها ).
حلول معلقة على حبل الانتظار
يرى رئيس بادية جماعين أن حل مشكلة التلوث لا يكون بإيقاف المحاجر والكسارات عن عملها بل يجب حلها بطريقة علمية و موضوعية فهي بالنهاية مصدر رزق لأهل البلدة .
ويضع السيد زيتاوي حلولا تتمثل بوضع فلاتر في المناشير و الكسارات أو عن طريق وضع غطاء يقلل من انبعاث الغبار في الجو.
أما الطبيب جبر فينصح بفرض ضريبة على كل شخص مسبب للتلوث...بحيث تستغل هذه الضريبة بتشجير البلدة ما يقلل من الضجيج و الغبار في الجو.
أما أبو عمار صاحب احد المحاجر فيقول ( على جيراننا أصحاب المنازل أن يتحملونا قليلا...فلا نستطيع أن نغلق مصادر رزق العاملين بمجرد أن ينعم الآخرون بالهدوء , و يعلق قائلا "حق الجار على الجار".
أما محمود شحادة فيرى في تعبيد أو شق طرق أخرى لسيارات المحاجر الثقيلة حلا يخفف من الضرر الناتج.
سؤال أخير
وفي سؤال حول المفاضلة بين العمل في المحاجر و توفير لقمة العيش و بين المخاطرة بحياة العامل يقول السيد زيتاوي أنه من الصعب الإجابة على هذا التساؤل , لان مسألة العمل في هذا الوقت أمر لا بد منه و التلوث ضريبة للعمل و يتوجب علينا كبلدية التوفيق بينهما.
و يفتخر رئيس البلدية كون لدى جماعين نسبة قليلة جدا تعمل داخل إسرائيل حيث يتوفر في بلدتهم مصدر رزق آخر.
و يوافق عزمي ( احد العاملين في المحاجر ) كلام رئيس البلدية و يضيف ( لقد كنت في رومانيا أتعلم هندسة الكهرباء , و عندما أنهيت ثلاث سنوات دراسية من أصل خمس عدت إلى الوطن لزيارة الأهل ...وقتها منعني الاحتلال من العودة لأكمل دراستي , و النتيجة ماذا اعمل ...؟ إما أن تغامر في صحتك و تعمل في محجر أو منشار أو أن تضحي بمبادئك و تعمل داخل إسرائيل ... ماذا تختار ... هذه حياتنا
ويبقى هذا التساؤل مسألة نسبية بين مؤيد و معارض و موفق لعمل المحاجر والكسارات في جماعين و اترك لكم الإجابة عن هذا الاستفهام مع عدم تناسي أن هناك المئات من أمثال أم عزمي و احمد يعانون في جماعين بفعل المحاجر والكسارات، وأن هناك من يقبض أموالاً طائلة على حساب صحة غيرهم.